وصل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، اليوم الثلاثاء 19 جويلية 2022، الى مقرّ القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بالعاصمة، للمثول أمام القضاء.

وقال قبل دخوله لاستنطاقه: “أحضر اليوم انتصارا ‏لنضال القضاة الشرفاء من أجل استقلال القضاء واحترام هياكله ورفض كل مساعي ‏الضغط عليه وتوظيفه ومعاقبة القضاة بعزلهم أو تشويههم. وكل هذا مع الأسف يحصل ‏اليوم من السيد قيس ووزارته وأنصاره المنفلتين.‏ “

‏وأضاف: “منذ انقلاب 25 جويلية وهم يتربصون بي ويعملون على تشويهي وعائلتي وتلفيق ‏التهم الباطلة لي، تُهَمٌ كيدية لا أساس لها من الصحة في الحقيقة والواقع…”

وتابع: “وقد قُدت ومازلت حركة النهضة التونسية في طريق الديمقراطية والاعتدال والبحث عن ‏التوافق والتعاون، واحترام مؤسسات الدولة وقوانينها، والتعاون مع كل من يحترم ‏الديمقراطية لتجعل من قيمة الحرية والديمقراطية في أعلى سلم قيمها واهتمامها ‏وتضحياتها وتنازلاتها عند الاقتضاء.‏ “

وقال: “‏وإذا كانت تونس – من بين دول عربية شقيقة كثيرة جرت فيها ثورات في نفس الوقت – ‏قد استمرت عشر سنوات في الديمقراطية رغم كل محاولات الارتداد والانقلاب عليها، ‏وإذا كانت هذه الديمقراطية الناشئة مازالت صامدة وتناضل ضد الانقلاب عليها بينما ‏انتكست في أغلب تلك البلدان، فإن ذلك لدليل على حجم التضحيات التي قدمها الشعب ‏التونسي وقواه الأساسية ومنها حركة النهضة بحكمة تصرفها وحمايتها الدائمة ‏للديمقراطية طوال هذه العشرية، وإحباطها لكل محاولات الالتفاف عليها منذ الثورة الى ‏اليوم بما في ذلك بعد الانقلاب الغاشم في 25 جويلية 2021.”

وواصل الغنوشي قوله: “لقد كانت هناك أخطاء ولا شك في هذه الملحمة التونسية، وكثيرون يتحملون المسؤولية ‏ومنها النهضة ولكن ليس وحدها كما يحاول البعض الإيهام بذلك وتزوير التاريخ والواقع. ‏وأهم الاخطاء هي ضعف المنجز الاقتصادي. لكن ذلك لا يلغي ما تحقق في العشرية ولا ‏يبرر وصفها بعشرية الخراب.‏…

أنا متأكد أن مقارنة موضوعية وعلمية ومرتكزة على الأرقام بين هذه العشرية وسابقاتها ‏ستكون لصالح هذه العشرية في كل ما يتعلق بالزيادة في الأجور والتقريب بينها، وفي ‏العناية بالفقراء وزيادة منحهم، وفي مدّ الطرقات والمسالك الريفية وتعبيدها، وفي السكن ‏الإجتماعي وفي التنوير والربط بالماء الصالح للشراب، وفي تسوية أوضاع العمل الهش ‏لعشرات الالاف في مختلف المجالات وفي توسيع التغطية الصحية والاجتماعية وفي رفع ‏كثير من المظالم الخ…

هذا فضلا على ضمان حريات التعبير والتنظم والصحافة ‏والاحتجاج واحترام الديمقراطية التي ارتفعت إلى مستوى أعرق الديمقراطيات الخ… لم ‏تنجح تونس في تحقيق النمو الموعود والمأمول بسبب نقص الاستقرار وكثرة الضغوط ‏وحتى الاحتجاجات، وهي أسباب أخرت إنجاز الاصلاحات المستوجبة…‏ “

وأضاف: “وتستمر المحاولات وتتنوع الأساليب لاستهداف حركة النهضة ورموزها في محاولات ‏دؤوبة لا تفتر لربطها بالإرهاب والتآمر على البلاد، ولتحولها من حالة سياسية يتعاطى ‏معها بالديمقراطية إلى ملف أمني وقضائي. وهذه اليوم إحداها. فكلما عجزوا عن هزمها ‏عبر صندوق الاقتراع يلجؤون إلى محاولة توظيف القضاء والأمن وبعض وسائل الإعلام لضربها. ‏وعادة ما يأتي ذلك والبلاد تستشرف محطة سياسية مثل الاستفتاء الذي رفضناه، فنعاقب ‏بذلك السبب ومثل الانتخابات التي يعدّ لها في غيابنا. ولن يفلحوا بعون الله ولكنهم بذلك ‏يدمرون الديمقراطية ومؤسسات النظام الجمهوري ويعمقون أزمة البلاد وعزلتها ويدفعون ‏بها الى التناحر والفقر والفوضى، إلى المجهول.‏”

وقال أيضا: “لقد حُوكِمت بتهم سياسية وسُجنت في عهدي بورقيبة وبن علي وحكم علي بالإعدام من ‏أجل قيادتي لحزب سياسي رفضوا الاعتراف بحقه في الوجود وأصرّوا على اعتباره ‏وغيره من الأحزاب قضية أمنية لا قضية سياسية كما هي الحقيقة. وصبرت النهضة ‏ورجالها ونساؤها وتحملت من الظلم ما تعلمون وما لا تعلمون حتى تحررت الثورة البلاد ‏من الظلم والقهر. واليوم يريدون محاكمتي بتهم حق عام، أنا الذي أفنيت عمري في الكفاح ‏من أجل دولة قانون عادل ومؤسسات ممثلة للشعب لا منصبة عليه، ولقد صرحت ‏بممتلكاتي أكثر من مرة بكل شفافية ولكنهم لا يتوقفون عن تعمد التشويه والإفتراء، وهذا ‏من أبشع أنواع الظلم.

وتابع: “أنا لا أخشى على نفسي من صنيعهم المشين، فقد وهبني الحي القيوم من العمر سبحا طويلا، وإنما أخشى على تونس ومكاسبها وعلى حقوق المواطن السياسية الاقتصادية ‏والاجتماعية فيها، أخشى عليها من ضياع عمرها وجهدها في تآكل داخلي وانقسامات ‏مهلكة، تتغذّى يوميا من خطابات الكراهية والشحن والشيطنة للمختلف، بما يسيء إلى ‏صورة بلدنا ويطرد العصافير من شجرتها ولا يستبقي لها صديقا….

كم تحاملوا علي وعلى عائلتي ومازالوا يفعلون، كم مرة أذاعوا أني متّ – والموت ‏حق – أو أني في حالة خطرة بالمستشفى. “أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ” سيحصل الموت ‏يوما لكن ليس بأمانيهم وإنما بتقدير رب العالمين.‏”

‏أنا مطمئن إلى قدر الله تعالى، وفي سني هذه وبعد كل تاريخي الفكري والسياسي والتنظيمي ‏لا أخشى ما يبيتونه لي، كما لا أخشى على حركة النهضة مادامت تدافع عن قضايا ‏وطنية صحيحة ومنحازة للقيم الحرية والديمقراطية والإسلام المعتدل ومصالح البلاد، ‏وما دامت تسعى للتجدد والإصلاح والتطوير…

‏لا مستقبل يليق بتونس والتونسيين إلا في احترام الحرية والديمقراطية ومؤسساتها ‏الشرعية، والتركيز على الأولويات الاقتصادية والتنموية وإنجاز الاصلاحات الضرورية ‏واحترام حياد الإدارة والجيش والأمن واستقلال القضاء، وتثمين قيم العمل والبذل ‏واحترام قيم العيش المشترك ونبذ الكراهية والعنف، كما فعلت كل الأمم التي سبقتنا في ‏طريق التحرر والتقدم .وأنا وحركة النهضة واعون بهذا وملتزمون بمواصلة النضال من ‏أجل تحقيقه وبالتعاون مع كل المؤمنين بدولة مدنية ديمقراطية في خدمة شعبها، ‏ومستعدون لتقديم التضحيات او التنازلات من اجل ذلك”.

وختم قوله: “أود بهذه المناسبة ان أحيي فرسان الحرية أعني الأساتذة المحامين الذين يستميتون في ‏الدفاع عن المضطهدين، نحييهم جميعا على هذا النضال الموصول الذي عرفناه في كل ‏أجيال المحاماة التونسية، فشكرا لهم على كل ذلك وشكرا لمن حضر معي اليوم منهم. ‏كما أحيي الاعلاميين الذين ينهضون بهذا القطاع الهام في الارتقاء بالوعي ونشر الحقيقة ‏وحماية حرية التعبير والصحافة. إنها رسالة نبيلة وحيوية لبناء مجتمع ديمقراطي.‏ “

من admin1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *